لخص حلقة الابتلاء الشيخ محمد حسان
لماذا يبتلى الله الإنسان؟شاء الله عز وجل ألا يحاسب خلقه بمقتضى علمه فيهم، إنما بمقتضى أفعالهم وأقولهم. وهذا من تمام فضله بعد عدله. ويبتلى الله الإنسان ليعرف الإنسان حقيقة نفسه، فهناك من يظن أنه مستعد لأى محنة، والحقيقة أنه لا يعلم حقيقة ذلك.
والخير فتنه أشد من فتنة الشر، فالابتلاء بالشدة يدفع العبد إلى الصبر بفضل الله. وأنت فى نعمة ما دام الله قد من عليك بقلب شاكر ولسان ذاكر وجسد صابر. وقد قال صلى الله عليه وسلم "مثل الذى يذكر ربه و الذى لا يذكر ربه كمثل الحى والميت"
مراتب الابتلاء ابتلاء للتمحيص: أى لاختبار العبد .. هل يصبر؟ هل ينسى ما سبق من نعيم؟ أم يظل على الأعتاب متعلقاً بالباب؟ الابتلاء للتطهير: أى لمحو الذنوب عن العبد. الابتلاء للترقية ورفع الدرجة: وهى مرتبة النبى صلى الله عليه وسلم . فيا من ابتليت فصبرت إن لك من هذه الرتبة نصيب إن شاء الله.أبشر يا من صبرت.. أجرك عند الله ثابت.. أبشر بفضل الله عليك.. الصبر مثل اسمه مُر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل.. جعل الله الصبر جواداً لا يكبو.. وجنداً لا يهزم.. وحصناً لا يهدم.. فأبشر أيها المبتلى الصابر فأنت فى معية الله، وهو يحبك.. قال عز وجل "واصبروا إن الله مع الصابرين" وقال " والله يحب الصابرين" .ومعية الله نوعان..
المعية العامة هى معيته عز وجل لكل خلقه بعلمه وسمعه وبصره وإرادته دون تشبيه ليس كمثله شئ..
أما المعية الخاصة فمع أوليائه.. وأصفيائه لحفظهم ونصرهم وتأييدهم وكرامتهم. فإن كان الله معك فمن أى شئ تخاف.. وإن كان الله يحبك فعلى أى شئ تحزن..؟ويقول عز وجل " ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" ..
صلوات من ربهم أي رحمة ومغفرة.. وتكرار الرحمة هنا باختلاف اللفظ للتأكيد. وللصابرين فى الجنة كرامة إذ يقول عز وجل "والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلامعليكم بما صبرتم" . ويبين الله أن الصبر لا انتهاء لأجره إذ يقول "إنما يوف الصابرون أجرهم بغير حساب".
ولكن ما هو الصبر؟الصبر فى اللغة هو المنع والحبس..
وشرعاً هو حبس النفس عن الجزع وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عن المعاصى. والصبر أقسام : الصبر على الطاعة: هو أعلى مراتب الصبر.. وهو الثبات على أحكام الكتاب والسنة.الصبر عن المحظور: هو الصبر عن المعاصى والامتناع عنها، وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن روح القدس قد نفث فى روعى أن روحاً لن تموت حتى تستوفى رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الزرق أن يستعجله بمعصية الله"الصبر على المقدور: وهنا نذكر نبى الله أيوب الذى فقد ماله كله فصبر، ومات ولده أجمعون فصبر، ومرض مرضاً أقعده فى الفراش فصبر، (ولا صحة على الإطلاق لما قيل من تفاصيل حول مرضه وما جاء فى ذلك من أوصاف لا مصدر لها لا من الكتاب ولا من السنة) ولم يترك له الله إلا قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً فلم يفتر عن شكره.. ولقد اختلف العلماء فى المدة التى مرضها .. والأرجح أنها 18 سنة حتى ظن أقرب صحبه إليه أن أيوب قد ارتكب ذبناً شديداً و إلا لما غضب الله عليه كل هذه السنوات.. ولما سمع أيوب بذلك خاف على الناس من الفتنة فدعا ربه " وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له وكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين" فأمر الله أيوب أن يضرب الأرض برجله ضربة خفيفة "فاركض برجلك" ففجر له عين ماء وقال له الله "هذا مغتسل باردوشراب" فشرب واغتسل فتطهر جسده وباطنه، فلما عافاه الله أمطر عليه جراداً من ذهب حتى امتلأت الأرض من حوله، ومع ذلك ظل أيوب يجمع الذهب فى ثوبه، فقال له الله ألا تشبع أيوب فقال أيوب : من يشبع يا رب من رحمتك، وفى رواية أخرى لا غنى لى يا رب عن بركتك.الصبر الجميلهو الصبر الذى يبتغى به العبد وجه ربه لا تجملا للناس ولا تحرجاً منهم وفيه يستعلى على الشكوى.. وليس معنى ذلك أن الشكوى مكروهة.. فهناك نوعان من الشكوى : الشكوى إلى الله وهى من تمام العبودية، وقد فعل ذلك أنبياء الله يعقوب وأيوب ويونس.. أما الشكوى المرفوضة فهى الشكوى من الله والعياذ بالله.ولقد سُئل النبى صلى الله عليه وسلم أى الناس أشد بلاءً يا رسول الله فقال" الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، إنما يبتلى الرجل على حسب دينه، فما يبرح البلاء العبد حتى يمشى على الأرض وليس عليه ذنباً" وقال صلى الله عليه وسلم "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط" وقال "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا غم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" ومن قوله صلى الله عليه وسلم تبشيراً للصابرين " إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له أجر ما كان يعمل وهو مقيم صحيح" ولا يجب أن ننسى ما أمر به صلى الله عليه وسلم عند الابتلاء أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أأجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيراً منها. وقال صلى الله عليه وسلم "يقول الله عز وجل للعبد يا بن آدم مرضتُ ولم تعدنى فيقول العبد يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين فيقول الله عز وجل مرض عبدى فلان ولم تعده أفلا علمت أنك لو عدته لوجدتنى عنده" وفى الحديث " استطعمتك .... أفلا علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى " "استسقيتك ... أفلا علمت أنك لو أسقيته لوجدت ذلك عندى " وكأن الله يريد أن يجبر كسر المريض الذى لا يقوى على الحركة فكان الله عنده ومن عاد المريض (أى زاره أثناء مرضه) وجد الله عنده.. أما من أطعم جائعاً أو أسقى ظمأناً .. فسوف يجد ذلك عند الله. نصائح لمن يمر بالابتلاء لا تنسوا فى هذه اللحظات أن تتضرعوا إلى الله عز فلا منجا ولا ملجأ إلا إليه. وقد قال صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يدعو الله إلا كتب له الله إحدى ثلاث أن يعجل له دعوته فى الدنيا، أو أن يدخرها له فى الآخرة، أو أعطاه مثلها". لا تغفل عن ذكر الله فالذكر حياة القلوب، والغافل عن الذكر ميت. عليكم بالصدقة بنية الشفاء وأن يذهب الله مرضك لقوله صلى الله عليه وسلم "داووا مرضاكم بالصدقة". تذكر أهل الابتلاء تخف مصيبتك، فهناك من تضاعف عليه الابتلاء، وعندما تتذكر هؤلاء ستدرك أنك فى نعمة.نصائح لأهل العافيةأذكركم بفضل الله عليكم، فتجنبوا المعاصى، تذكر من فقد نعمة البصر.. فلا تنظر إلى المحرمات.. وتذكر من فقد نعمة السمع فلا تستمع إلى المحرمات.. لا توظفوا نعم الله فى معاصيه.. تذكر الفقراء .. واحذر المال الحرام .. ساهم فى علاج الفقراء.. تذكر الضعفاء واحذر استغلال المنصب.. وظف منصبك لخدمة الناس لرضا الله.. لا تنسى أهل المرض بالزيارة والدعاء ولا تطيل الزيارة وبشر فى الكلام وأكثر من الكلام عن رحمة الله بعباده ونعمه عليهم ولا تذكر المريض بما يصيبه بالهم أو الحزن.والأطباء والممرضات أقول لهم: لا تعتادوا النظر إلى المرضى فتنسون رحمة الله وأن ترحموا المرضى بين أيديكم.. بالكلمة الطيبة.. فالرحمة بكلب ضال أدخلت زانية من بنى اسرائيل الجنة (فالرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا.. فكيف بمن وحد الله رب البرايا) اعلموا أنكم فى جهاد وطاعة وقربى لله.