قصة مصارعة ركانة وكيف أراه صلى الله عليه وسلم الشجرة التي دعاها فأقبلت.
قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار قال: وكان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف أشد قريشاً فخلا يوماً برسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه؟)).
قال: إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفرأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق؟)).
قال: نعم !
قال: ((فقم حتى أصارعك)).
قال: فقام ركانة إليه فصارعه فلما بطش به رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعه لا يملك من نفسه شيئاً ثم قال: عد يا محمد فعاد فصرعه.
فقال: يا محمد والله إن هذا للعجب، أتصرعني؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأعجب من ذلك إن شئت أريكه إن اتقيت الله واتبعت أمري))؟
قال: وما هو؟
قال: ((أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني)).
قال: فادعها. (ج/ص: 3/129).
فدعاها فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال لها: ارجعي إلى مكانك فرجعت إلى مكانها.
.
قلت: وقد روى أبو بكر الشافعي بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن يزيد بن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل مرة على مائة من الغنم فلما كان في الثالثة قال: يا محمد ما وضع ظهري إلى الأرض أحد قبلك، وما كان أحد أبغض إلي منك.
وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وردَّ عليه غنمه.
وأما قصة دعائه الشجرة فأقبلت فهى في كتاب (دلائل النبوة) بعد السيرة من طرق جيدة صحيحة في مرات متعددة إن شاء الله وبه الثقة.
بعض قصص فى حياة الرسول
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد، يجلس إليه المستضعفون من أصحابه: خباب، وعمار، وأبو فكيهة، يسار، مولى صفوان بن أمية، وصهيب، وأشباههم من المسلمين.
هزئت بهم قريش وقال بعضهم لبعض: هؤلاء أصحابه كما ترون، أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا بالهدى ودين الحق لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه، وما خصهم الله به دوننا.
فأنزل الله عز وجل فيهم: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ * وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ * وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 52-54]. (ج/ص: 3/130).
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يجلس عند المروة إلى مبيعة غلام نصراني يقال له: جبر، عبد لبنى الحضرمي، وكانوا يقولون والله ما يعلم محمداً كثيرا مما يأتي به إلاجبر، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103].
ثم ذكر نزول (سورة الكوثر) في العاص بن وائل حين قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه أبتر أي: لا عقب له فإذا مات انقطع ذكره.
فقال الله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} أي: المقطوع الذكر بعده، ولو خلف ألوفاً من النسل والذرية وليس الذكر والصيت ولسان صدق بكثرة الأولاد والأنسال والعقب، وقد تكلمنا على هذه السورة في التفسير ولله الحمد.
وقد روي عن أبي جعفر الباقر: أن العاص بن وائل إنما قال ذلك حين مات القاسم بن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد بلغ أن يركب الدابة ويسير على النجيبة.
ثم ذكر نزول قوله: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر} وذلك بسبب قول أبي بن خلف وزمعة بن الأسود والعاص ابن وائل والنضر بن الحارث: لولا أنزل عليك ملك يكلم الناس عنك.
قال ابن إسحاق: ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا بالوليد بن المغيرة وأمية بن خلف وأبي جهل ابن هشام فهمزوه واستهزؤا به، فغاظه ذلك فأنزل الله تعالى في ذلك من أمرهم: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤن}.
وقال الله تعالى: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين}.
وعن ابن عباس
قال: المستهزؤن: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب أبو زمعة، والحارث بن عيطل، والعاص بن وائل السهمي.
فأما الوليد: فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً له فأصاب أنمله فقطعها، وأما الأسود بن عبد يغوث: فخرج في رأسه قروح فمات منها، وأما الأسود بن المطلب: فعمي.
وكان سبب ذلك أنه نزل تحت سمرة فجعل يقول: يا بني ألا تدفعون عني قد قتلت فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً.
وجعل يقول: يا بني ألا تمنعون عني قد هلكت، ها هو ذا الطعن بالشوك في عيني.
فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه.
وأما الحارث بن عيطل: فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منها.
وأما العاص بن وائل: فبينما هو كذلك يوماً إذ دخل في رأسه شبرقة حتى امتلأت منها فمات منها.
وقال غيره في هذا الحديث: فركب إلى الطائف على حمار فربض به على شبرقة - يعني شوكة - فدخلت في أخمص قدمه شوكة فقتلته.
رواه البيهقي بنحو من هذا السياق.
قال الله تعالى فى سورة الحجر * فوربك لنسئلنهم أجمعين- عما كانوا يعملون- فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين – انا كفيناك المستهزئين – الذين يجعلون مع الله الها ءاخر فسوف يعلمون*
وذكر أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يطوفون بالبيت، فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه، فمرَّ به الأسود ابن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي.
ومرَّ به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى باطنه فمات منه حبنا.
ومرَّ به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعبه كان أصابه قبل ذلك بسنين من مروره برجل يريش نبلاً له من خزاعة فتعلق سهم بإزاره فخدشه خدشاً يسيراً، فانتقض بعد ذلك فمات.
ومرَّ به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص رجله فخرج على حمار له يريد الطائف فربض به على شبرقة فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته.
ومر به الحارث بن الطلاطل فأشار إلى رأسه فامتحض قيحاً فقتله. (ج/ص: 3/132).